فصل: مطلب منازل الكواكب وكيفية جريانها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب منازل الكواكب وكيفية جريانها:

وقال أهل الهيئة إن المنازل سبعة وعشرون وثلث، وقد حذفوا الثلث لنقصه عن النصف كما هو مصطلح المنجمين.
ويراد بالمنازل واللّه أعلم مواقع النجوم التي نسبت إليها العرب الأنواء الممطرة، وهي ثمان وعشرون منزلة:
1 السرطان، 2 البطين، 3 الثريا، 4 الدبران، 5 الهقعة، 6 الهنعة، 7 الذراع، 8 النثرة، 9 الطرف، 10 الجبهة، 11 الزّبرة، 12 الصرفة، 13 العوّا، 14 السماك، 15 الفقر، 16 لزّباني، 17 الإكليل، 18 القلب، 19 الشّوله، 20 النعائم، 21 البلدة، 22 سعد الذابح، 23 سعد بلع، 24 سعد السعود، 25 سعد الأخبية، 26 فرع الدلو المقدم، 27 فرع الدلو المؤخر، 28 الرشا.
ولكل منها معنى وتعريف خاص بها سنأتي على بيانه في تفسير الآية 15 من سورة الحجر في ج 2 إن شاء اللّه إذ أننا أطلنا البحث هنا فيما يتعلق بانسلاخ الشمس الذي نشأ عنه الانسلاخ القوسي.
هذا، واعلم أنه إذا كان القمر في آخر منازله رق وتقوس ولهذا أشار إليه تعالت إشارته بقوله: {حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ} أحد شماريخ عذق النخل {الْقَدِيمِ} 49 الذي مر عليه الحول، لأنه لشدّة يبسه يكون رفع من العرجون الحديث {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فتجتمع معه وتداخله في سلطانه ليلا، ولا يتمكن هو من الاجتماع معها ليشاركها في سلطانها نهارا {وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ} أيضا بل يتعاقبان بنظام بديع وحساب معلوم لا يتغير ولا يخطىء، لأنه إذا أدرك أحدهما الآخر اختل نظام الكون وقامت القيامة، قال تعالى: {فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} الآيات من 8 إلى 11 من سورة القيامة المارة، أي يقال هذا القول يوم القيامة الذي يحار الإنسان فيه ويذهل عن ذويه وخاصته {وَكُلٌّ} من الشمس والقمر وما ينشأ عنهما من الليل والنهار وما يرتبط بسيرهما من الكواكب {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 40 يسيرون، وكررت هذه الجملة في الآية 33 من سورة الأنبياء في ج 2، بما يدل على أن سير هذه كلها مقطوع بها حتما لا سبيل لانخرامه، تدبر، وفيها إشارة إلى أنها كلها عائمة بالهواء في الفضاء ليست مرتكزة على شيء ولا متعلقة بشيء كجريان السمك بالماء لجواز أن تكون السماء كلها لطيفه أو مجرى الكواكب منها لطيفا فيشق الكوكب ما يحاذيه يجري به كما تجري السمكة الكبيرة أو الصغيرة في البحر أو في النهر أو في ساقية منه.
أما ما يقوله الفلاسفة بانقطاع كرة الهواء عند كرة النار المماسة لقعر فلك القمر وانحصار الأجسام اللطيفة بالعناصر الثلاثة وصلابة جرم السماء وتساوي أجزائها واستحالة الخرق والالتئام عليها واستحالة وجود الخلاء فلا قيمة له، إذ لم يقم لهم دليل قاطع على شيء من ذلك، وهو عبارة عن حدسيات وشبهات توغلوا فيها لإنكار عروج صاحب الرسالة، وقد بينا ما يتعلق في هذا في تفسير سورة والنجم المارة في الآية 18، ولهذا البحث صلة أول سورة الإسراء الآتية فراجعه ففيه كفاية، على أنه يجوز أن يكون الفلك عبارة عن جسم مستدير والكواكب فيه تجري بجريانه، وهناك أخبار تشير إلى صحته.
أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس أنه قال في الآية هذه فلكة كفلكة المغزل يسبحون يدورون في أبواب السماء كما تدور الفلكة في المغزل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل، والنجوم في فلكة كفلكة المغزل، فلا تدور إلا بها.
وقال الشيخ لأكبر في فتوحاته المكية:
جعل اللّه السموات ساكنة وخلق فيها نجوما وجعل لها في عالم سيرها وسباقها في هذه السموات حركات مقدرة لا تزيد ولا تنقص، وجعلهم عاقلة سامعة مطيعة بدليل قوله جل قوله: {وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها} الآية 14 من سورة فصلت في ج 2، ثم إنه تعالى شأنه لما جعل السباحة للنجوم أحدث لكل منها طريقين في السماء هو قال تعالى: {وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ} الآية 8 من سورة الذاريات في ج 2، قسمت تلك الطرق أفلاكا، فالأفلاك تحدث بحدوث سير الكواكب وهي سريعة السير فتخرق الهواء الماس السماء فيحدث منه أصوات ونعمات مطربة، لكون سيرها على وزن معلوم وتجري بعادة مستمرة، وقد علم بالرصد مقادير سيرها على التقريب، وكذلك دخول بعضها على بعض ظنا إذ لا يعلم ذلك على التحقيق إلا اللّه الذي جعل يسيرها عبرة للناظرين بين بطء وسرعة وتقدم وتأخر في أماكن من السماء معلومة بصورة بديعة.
ثم ذكر برهانا رابعا على عظيم قدرته فقال: {وَآيَةٌ لَهُمْ} على بالغ قدرتنا وبديع صنعنا {أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ} أي ذرية آبائهم الأقدمين قبل نوح عليه السلام {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} 41 سفينة أبيهم الثاني إذ ملأها به وبأهله ومن آمن به معه ومن عموم الحيوانات زوجين اثنين حتى من الطيور.
ويجوز أن يراد بالذرية أولاد المخاطبين، إذ كانوا يبعثونهم بالسفن البحرية الشراعية للتجارة، لأن أصل الذرية الصغار من الأولاد ويقع بالتعارف على الكبار والصغار، ويستعمل للواحد والجمع وفي الأصل هو للجمع فقط، وفي قوله المشحون إشارة إلى البواخر المحدثة بعد عهد نزول القرآن التي أصلها سفينة نوح عليه السلام هذه، لأنها مشحونة بالأشخاص والأموال ومشحونة أيضا بالبخار الذي بسوقها ولا شيء يمتلىء امتلاء البواخر بالبخار، يدل على هذا قوله جل قوله: {وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ} أي ذلك الفلك المشحون {ما يَرْكَبُونَ} 42 فيه بالبحر من السفن والبواخر الكبار في الهواء من الطيارات المتنوعة وفي البر من الحيوانات وخاصة الإبل إذ يسمونها سفن البر، والسيارات والدراجات والعجلات لتنوعة مما يركب ويحمل عليه، وكل هذا داخل في قوله تعالى {من مثله} كالقطارات، لأن هذه الإشارة تشمل الجميع ولأن بيوت بخارها مثل بيوت بخار البواخر المشار إليها بكلمة ذريتهم وهم أبناء هذا الزمان، وهذا كله من الإخبار بالغيب الذي يقصه اللّه علينا في كتابه ولا تناهي لمعجزاته، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ} الآية 53 من سورة فصلت في ج 2، أي آفاق السموات والأرض ولا يخترق هذه الآفاق إلا هذه المحدثات، وما ندري ما يحقق لنا القرآن فيما بعد مما يتصوره العقل من الجائزات، ولعل يكون ما قاله أبو الحسن الأشعري من أنه يجوز لأعمى الصين أن يرى بقعة الأندلس، وقد تحقق ذلك بعد أن ظهر المذياع المصور بكسر الواو الذي يسمع فيه صوت القارئ وترى صورته، واللّه على كل شيء قدير، ومن قدرته أقدار خلقه على مثل هذه الأشياء مما لا يكاد يقبله العقل ولا يتصوره مع وجوده، راجع الآية 10 من ص المارة والآية 95 من سورة الصافات في ج 2، قال تعالى: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} في البحر هم وسفنهم مهما عظمت إذ سماها اللّه جواري وشبهها بالجبال في قوله: {وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} الآية 24 من سورة الرحمن في ج 3، ونظيراتها الآية 31 من سورة الشورى في ج 2، وكذلك إذا شاء يقلب القطارات ويوقع الطائرات بسبب وبغير سبب، وإذا أغرقهم أو أسقطهم أو قلبهم {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} أي لا مغيث يستغيث لهم، وسمى المغيث صريخا لأنه ينادي من ينجيه مما حل فيه فيصرخ بأعلى صوته ولا أحدا يغيثه من قدر اللّه {وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ} 43 ينجون منه لأن من يقدر هلاكه اللّه لا محيد له عنه البتة، لأن البشر عاجز عن الحئول دونه {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا} نحن الإله القادر على إغاثتهم بالنظر لما هو في علمنا الأزلي فنيسر لهم من يغيثهم أو نحفظهم من الهلاك وقتا مقدرا {وَمَتاعًا إِلى حِينٍ} 44 انقضاء آجالهم قال أبو الطيب:
ولم أسلم لكي أبقى ولكن ** سلمت من الحمام إلى الحمام

وفي هاتين الحالتين ننقذهم نحن، وغيرنا لا يقدر على إنقاذهم إذا لم نشأه، حد قوله:
إذا نحن نؤمنك تأمن غيرنا وإذا ** لم تأخذ الأمن منا لم تزل حذرا

وهذه الآية المدنية من هذه السورة، قال تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ} لمنافقي المدينة {اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} مما يتوقع حصوله من العذاب الدنيوي إذا أصررتم على نفاقكم كالأمم الماضية التي أصرت على كفرها وَ: اتقوا أيضا {ما خَلْفَكُمْ} مما توعدون به من عذاب الآخرة، ويجوز أن يكون على العكس بأن يراد ما بين أيديهم عذاب الآخرة، لانهم مقبلون عليه، فكأنه بين أيديهم وبما خلفكم عذاب الدنيا لأنهم تاركوه وراءهم، ولكن الأول أولى وأنسب بالمقام، أي احذروا هذين العذابين المتوخى نزولهما بكم {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 45 أي ترجون رحمة اللّه، وقال بعض المفسرين إن هذه الآية مكية والخطاب لكفار قريش أي اتقوا الوقائع التي ابتليت فيها الأمم المكذبة لانبيائها، واتقوا إنكار أمر الساعة وآمنوا بنبيكم علكم تصيبكم رحمة ربكم، وجواب إذا محذوف تقديره: فأعرضوا ولم يلتفتوا إلى هذا القول، على كلا القولين والمعنيين، ويدل على حذف الجواب قال تعالى: {وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ} الدالة على قدرته وصدق نبيه {إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} 46 دأبهم في كل آية فيها إنذار وبشارة {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا} أيها المتمولون على فقرائكم {مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} وأحسنوا إليهم كما أحسن اللّه إليكم {قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} المأمورون بالإنفاق من أهل مكة وغيرهم {لِلَّذِينَ آمَنُوا} القائلين لهم أنفقوا {أَنُطْعِمُ} رزقنا الذي حصلنا عليه بكدنا {مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} أي كيف نطعمه وقد أفقره اللّه؟ فليطعمه الذي أفقره وهو استفهام إنكار، أي لا نفعل ذلك أبدا، والكلام مسوق لذمّهم على البخل وعدم شفقتهم على ذويهم وأبناء جنسهم من فضل ما منّ اللّه به عليهم إثر ذمهم بإنكار البعث والنبوة والمعاد، ثم لم يكتفوا بما قالوا بل أتبعوه بقولهم {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 47 لأنكم تأمروننا بإعطاء رزقنا لمن لم يرد اللّه إعطاءه، وهذا أولى من قول من قال إن هذه الجملة من قول اللّه أي قال تعالى لهم {إن أنتم} إلخ، وأولى من قول من قال إن هذه الجملة من قول المؤمنين لهم لمخالفتها سياق الآية وسياق الحكاية، قالوا كان العاص بن وائل السهمي وبعض كفار قريش المتزندقين إذا سألهم المساكين من فضول أموالهم، ومما زعموا أنهم جعلوه للّه من حروثهم وأنعامهم كما سيأتي بيانه في الآية 136 من سورة الأنعام في ج 2 فما بعدها، قالوا له اذهب إلى ربك فهو أولى بك منا، أيمنعك هو ونعطيك نحن؟ كلا، لا نفعل هذا، فلو أراد رزقك لرزقك كما رزقنا، فنزلت فيهم هذه الآية.
وقد تمسك بقولهم هذا البخلاء أسوة بسادتهم أولئك إذ يقولون لا نعطي من حرمه اللّه، وهو قول باطل يلجأ إليه كل عاطل من فعل الخير إخوان المنزل فيهم هذه الآية، لأن اللّه تعالى أغنى أناسا وأفقر آخرين ابتلاء واختبارا لا بخلا ولا استحقاقا، وأمر الغني بالإنفاق ليمتحنه أيقدر شكر نعمته عليه أم لا، وقد هدد الغني في الحديث القدسي: «الأغنياء وكلائي والفقراء عيالي فإن بخل وكلائي على عيالي أذقتهم وبالي ولا أبالي». وامتحن الفقير بهدر ماء وجهه ليختبره أيصبر أم لا، ألا فليتعظ الأغنياء ويتعظوا قبل أن يحل بهم ما لا كاشف له إلا اللّه.
وما قيل إن هذه الآية نزلت في اليهود لا صحة له لأنها مكية بالاتفاق كسائر هذه السورة إلا الآية المستثناة 45 المارة على قول بأنها مدنية والأرجح عندي أنها مكية أيضا كما مر لك في تفسيرها الثاني واللّه أعلم، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ} هؤلاء الكفرة يا محمد {مَتى هذَا الْوَعْدُ} الذي توعدنا به أنت وأصحابك من نزول العذاب وقيام الساعة والحساب والجزاء في يوم البعث من القبور، قد طال علينا أمده أخبرونا وقته على الحقيقة {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} 48 بقولكم، قال تعالى قل لهم يا سيد الرسل إنه قريب بالنسبة لما عند اللّه وأنه على حين غفلة سيأتيكم غرة لأنه تعالى يقول:

.مطلب في النفختين والذي لا يبلى من البشر:

{ما يَنْظُرُونَ} هؤلاء المستعجلون على شرهم {إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} من عبدنا جبريل الموكل بالنفخة الأولى والثانية {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} 49 فجاءة أثناء مخاصمتهم في بيعهم وشرائهم ومنازعتهم في أمورهم لدنيوية المنهمكين بها، وحينذاك {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} في شيء من أمورهم لأن كلا منهم يموت على حالته التي هو فيها حين سماعه الصيحة ولهذا قال تعالى: {ولا إلى أهلهم يرجعون 50} إذ ليس باستطاعتهم لرجوع إذا كانوا خارجين لشأنهم وفي هذا تنبيه عظيم على عظمة هذه الصيحة التي لا تمهل القائم أن يقعد ولا القاعد أن يقوم إذ يموت كل بمكانه على هيأته دون حركة، ولا عجب من ذلك لأنه من فعل اللّه.
قالوا كان شبيب الحروري إذا صاح في القوم لا يلوي أحد على أحد وفيه يقول:
إن صاح يوما حسبت الصخر منحدرا ** والريح عاصفة والموج يلتطم

فإذا كانت صيحة عبد من عبيده في الدنيا تفعل هكذا، فما بالك في صيحة ملك عظيم من ملائكته.
روى مسلم من حديث عمرو ابن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا أي مال عنقه لان الليت صفحة العنق فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله أي يصلحه ويطينه فيصعق وبصعق الناس، وقدمنا في تفسير الآية 185 من سورة الأعراف حديث أبي هريرة المتعلق بهذا مطولا فراجعه.
قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} أي النفخة الثانية للبعث والحساب وبينهما على ما قيل أربعون سنة {فَإِذا هُمْ} الأموات الذين ماتوا قبل النفخة الأولى جميعهم والذين ماتوا بعدها قائمين {مِنَ الْأَجْداثِ} المدافن أعم من القبور {إِلى رَبِّهِمْ} ومالك أمرهم {يَنْسِلُونَ} 51 يخرجون أحياء يتسابقون إلى الموقف وراء المنادي قالوا لبعضهم متعجبين من حالتهم التي كانوا غافلين عنها في الدنيا ومنكرين وجودها {يا وَيْلَنا} يا هلاكنا {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} الذي كنا فيه لأنهم يرون ما كانوا فيه من عذاب البرزخ بالنسبة لما شاهدوه من الهول هينا وكأنه في جنب شدة القيامة نوما، وهنا وقف لازم، أي سكنة خفيفة، فرقا بين كلامهم وكلام الملائكة القائلين لهم {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ} به خلقه في الدنيا على لسان رسله {وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} 52 بما قالوا لكم عنه بأنكم تموتون ثم تحيون وتسألون عما عملتم في دنياكم وتعاقبون وتثابون فكذبتموهم.
ويوجد ثلاث سكنات أخر مثل هذه ينبغي للقارئ أن يسكت سكتة خفيفة عند تلاوتها: الآية 14 من سورة المطففين، والأولى من سورة الكهف ج 2، والآية 27 من سورة القيامة المارة، يقال: {من راق} كما سنبينها في مواضعها {إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} أي تلك النفخة من ملكنا جبريل عليه السلام {فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ} 53 أولهم وآخرهم في الموقف للحساب والجزاء عما كان منهم في الدنيا من خير وشر.